بحث

الجمعة، 9 مايو 2014

التنظيم القانوني لقطاع الطفولة في تونس


التنظيم القانوني لقطاع الطفولة

نقصد بالإطار التشريعي للطفولة مجموع القوانين والتراتيب المنظمة لمرفق الطفولة من حيث المبادئ العامة والهياكل والاطراف المتداخلة و كذلك تلك النصوص التي تستهدف الطفل مباشرة بوصفه انسانا ومواطنا وطرفا ضعيف يستحق الحماية القانونية منذ نشاته وحتى بلوغه الاهلية القانونية التي تمكنه من الالتزام والالزام وهو ما يفرض علينا دراسة هذا الباب او هذا الفصل الى جزء اول يعنى بالطفل كمؤسسة قانونية وجزء ثان يتعلق بالاطار القانوني للمرفق العام للطفولة.
هناك نوعان من الأهلية
 - أهلية  وجوب يكتسبها الانسان قبل ولادته وهي الاهلية التي تمكنه من اكتساب الحقوق وهي اساس التعامل القانوني مع الطفل
 - اهلية الاداء: وهي اهلية الالتزام الشخص الذي يتحمل الواجبات
دون 13 سنة: صغير غير مميز
بين 13 و20:  صغير مميز
فوق الـ 20 سنة: سن الرشد القانوني والمدني
18 سنة:  سن الرشد القانوني الجزائي

الطفل مؤسسة قانونية تتمتع بنظام قانوني حمائي خاص
استنادا للفصل 3 من مجلة حماية الطفل يعد طفلا كل انسان اقل من 18 عاما ما لم يبلغ سن الرشد بمقتضى احكام خاصة واعتمد المشرع السن القصوى دون الدنيا في هذا التعريف ليشمل الجنين في بطن امه وذلك تماشيا مع ما أقر لهذا الجنين من حقوق صلب مجلة الاحوال الشخصية (الحق في النسب والحياة والارث ) وحماية لحقه في الحياة المنظم بقانون الاجهاض وتماشيا مع روح وفلسفة الاهلية وخاصة اهلية الوجوب التي تمكن الانسان من اكتساب الحق وهو في رحم امه
كما ابتعد هذا التعريف عن الاطر الشرعية للعلاقة بين الابوين تماشيا مع الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل وتكريسا لمبدا الحماية لهذا الطرف الضعيف فالعبرة بحماية الطفل والمجتمع وحماية الطفل في المجتمع وهي فلسفة تلزم الدولة بتوفير كل اسباب الحماية ومتطلباتها الادبية والمادية والمؤسساتية والقانونية فيكون بذلك واجب حماية الطفولة واجبا مطلقا غير خاضع للاستثناء وهو ما نلمسه في بنية وصياغة الفصل 47 من دستور الجمهورية الثاني (حقوق الطفل على ابويه وعلى الدولة ضمان الكرامة والصحة والرعاية والتربية والتعليم وعلى الدولة توفير جميع انواع الحماية لكل الاطفال من غير تمييز ووفق المصالح الفضلى للطفل )
ولفهم هذا الفصل وهذه الحماية يجب قراءته في علاقة ببقية فصول الدستور وباعتباره وحدة منسجمة تؤول بعضها البعض على معنى الفصل 146 من الدستور ذاته ومن هنا لا بد من العودة الى الفصول التي ارتبطت بهذا الفصل بشكل مباشر وغير مباشر وبصفة صريحة وشبه صريحة من ذلك الفصل 7  الذي اعتبر ان الاسرة هي الخلية الاساسية للمجتمع وعلى الدولة حمايتها وهو اقرار بحقيقة وبواقع مادي وقانوني فالاسرة هي الحاضنة الاولى وضعا وشرعا للطفل ولم تحد الشرائع السماوية ولا الوضعية عن هذا المنطق ولا الاتفاقات الدولية عن هذا المبدا ويفهم من الزام الدولة على حماية هذه المؤسسة  اطلاقية في نطاقها ومداها والياتها واجهزتها بمعنى ان هذا الفصل ملزم للمشرع وللقاضي وللادارة وعلى نواب الشعب مراجعة القوانين المنظمة للاسرة وعلى راسها مجلة الاحوال الشخصية والنصوص الملحقة بها وخاصة فيما يتعلق بالطلاق والحضانة والتبني والنفقة ولعله قبل ذلك في مؤسسة الخطبة كمقدمة ووعد بالزواج وخاصة فيما يتعلق بمزيد تفعيل الحماية الطبية للزوجين ومن ورائهما الابناء وذلك من خلال ضمان الحق في الصحة منذ النشاة كما يلزم هذا الفصل القاضي بمزيد العمل على ضمان هذه الحقوق من خلال الدفع اكثر نحو وحدة الاسرة وتماسكها كما يلزم هذا الفصل الادارة والمرافق العامة على الاخذ بالاعتبار بهذا المعطى والعمل على تكريسه في الواقع وفي كل انشطتها وقراراتها وبرامجها وعلى راسها المرافق المعنية بشكل مباشر بالطفولة كوزارة الشباب والرياضة والمراة والاسرة و الديوان الوطني للاسرة وزارة المالية ورئاسة الحكومة ........ فمن غير المعقول ان ينظر الى مؤسسات الطفولة كمجالات استثمار
ومن غير المعقول كذلك تجميد المنحة العائلية بين 5000 و7000 منذ اكثر من 20 سنة
كذلك رفع اليد عن رياض البلدية والمحاضن لم يعد مقبولا تحت اي غطاء فمن المفروض ان يكون الاستثمار في الطفولة استثمارا فكريا من اجل بناء رجل الغد وجيل المستقبل
كذلك وجوبية مراجعة انظمة التعليم التكوين والمراقبة والمتابعة
يمكن كذلك قراءة هذا الفصل بالرجوع الى توطئة الدستور باعتبارها جزء من الدستور حيث  جاء بالفقرة الخامسة والاخيرة (ووعيا بضرورة المساهمة في سلامة المناخ والحفاظ على البيئة بما يضمن استدامة مواردنا الطبيعية واستمرارية الحياة الامنة للاجيال القادمة وتحقيقا لارادة الشعب في ان يكون صانعا لتاريخه.......)
اذا لا يمكن بناء طفل متكامل ومتوازن عقليا ونفسيا وجسديا دون ايجاد ذلك المناخ العلمي والتربوي المبني على الموضوعية العلمية وهو ما يفسر الفصل 16 من الدستور الذي ينص على ضمان الدولة لحيادية المؤسسة التربوية وكذلك المساجد وتحييدها عن الدور الحزبي وهو ما يفسر كذلك الزام الدولة بضمان الحق في الصحة صلب الفصل 38 والزامية التعليم بالفصل 39 ولو ان هذا الفصل جاء مقصرا وغامضا عندما اقر هذا الواجب على الدولة الى حدود 16 سنة وهو ما يتنافى مع تعريف الطفل ويطرح ضبابية وغموض حوله مما يفتح نقاشا قانونيا جديدا حول تعريف الطفل من خلال السن فل يجوز ان نقر بالحماية الى سن 18 سنة ونحرمه من اهم ضامن للحماية وهو التعليم (الحماية الفكرية والعلمية) وكذلك في حماية الموروث الثقافي من منطلق ضمان حق الأجيال في ذلك اذ جاء بالفصل 42 ( تحمي الدولة الموروث الثقافي وتضمن حق الاجيال القادمة فيه) والمعلوم ان الطفل كائن ثقافي ومن أكثر المخاطر التي يمكن ان تهدد الانسان هي الاغتراب عن البيئة الثقافية فالدولة محمول عليها مصالحة الطفل مع واقعه الثقافي من اجل ضمان التوازن النفسي لبناء شخصية متماسكة وسوية وهو ما يفرض إلى هذا الجانب التربوي والتعليمي ما يستحقه من عناية خاصة على مستوى البرامج والمؤسسات وهو كذلك ما أوجبه الفصل 43 (على الدولة دعم وتوفير الإمكانيات اللازمة لممارسة الأنشطة الثقافية والرياضية) كذلك الفصل 46 الذي يتمسك بحقوق المراة وحمايتها ودعمها وهو ما يلزم الإدارة والمشرع على دعم حقوق المرأة الام كذلك الفصل 48 الذي اعتنى بحقوق الحاملين لإعاقة.
اما عن الحماية القانونية للنصوص القانونية الرامية لحماية حقوق الطفل والاسرة والمرتبطة بها سالفة الذكر فقد اوجب الدستور اقرارها بمقتضى قوانين عادية فيما يتعلق بالتعليم والبحث العلمي والثقافة والصحة والبيئة والتهيئة العمرانية والشغل والضمان الاجتماعي في حين زادها درجة أخرى من الحماية حين اوجب تنظيم ما يتعلق بالأحوال الشخصية وواجبات المواطنة للسلطة المحلية بمقتضى قانون أساسي


مظاهر الحماية القانونية الاخرى
تتمظهر الحماية القانونية للطفل بالقانون التونسي من خلال مجموعة من القوانين والمؤسسات لعل أهمها المفصلة أسفله:
1.    ما تضمنته م الاحوال الشخصية المتعلقة بالحق في نشأة أو ولادة سليمة خالية من الامراض حيث ألزم القانون الزوجين بالفحص والشهادة الطبية
2.    إقرار الطلاق القضائي أو الحكمي فلا مجال الى ايقاع الطلاق الا بحكم قضائي بعد استحالة الصلح بين الزوجين
3.    اعتبر مصلحة المحضون هي الاساس في اسناد الحضانة
4.    كما احدث صندوق النفقة وجراية الطلاق ق65 لسنة 93
5.    ثم مؤسسة المصالح العائلي في نزاعات الحالة الشخصية ق عدد50 لسنة 2010 نوفمبر 2010
6.    كذلك حماية الطفل وضمان حقه في الانتساب لوالديه حتى قبل الولادة وحق الاطفال المهملين في اللقب العائلي ق75 لسنة 98 المؤرخ في 28 اكتوبر 98 ونقح لسنة 2003 بق عدد 51
تتجلى الحماية للطفل في حماية الاسرة وهو ما يفهم في التكريس الدستوري في هذا التمشي صلب الدستور الجمهورية الثاني اذ اقر الفصل 7 ان الاسرة هي الخلية الاساسية للمجتمع وعلى الدولة حمايتها
اقرار صريح ودستوري في حماية الدولة للأسرة ويلزم الف7 كل مؤسسات الدولة وواضعي الدستور:
اثر الالزام:
حماية الاسرة واجب على الدولة لمعنى توفير كل اسباب تحقيق السلامة لهذه الخلية الاساسية للمجتمع وهو ما نلمسه في الفصل 12 الذي حملها تحقيق العدالة والتنمية المستدامة والاستغلال الرشيد للثروات الوطنية ومن مظاهر في الاستغلال هو ان يتمتع كل ابناء الشعب بهذه الثروات مع مراعاة حق الاجيال القادمة
كما لا يمكن الحديث عن الاسرة الا من خلال تحييد الادراة وجعلها مرفقا عاما لخدمة المواطن والصالح العام تعمل وفق قواعد ومبادئ الشفافية والنزاهة من اجل ضمان شفافية المرفق  ف 15
كما ان العملية التربوية والتعليمية يجب ان تكون في منتهى الحيادية بعيدا عن التوظيف الحزبي والسياسي ف16
كما يتاكد التزام المشرع لمتطلبات تحقيق هذا الفصل من خلال جل فصول باب الحقوق والحريات وخاصة الف 31 و32 اذ نص على حرية الفكر ولاتعبير والاعلام  والنفاذ الى المعلومة وشبكات الاتصال والتواصل لتكون الفصول 38 و39 و40 و42 و43 و44 و45 و46 اكثر التصاقا بهذا الفصل باعتبارها تضمنت التزام الدولة والزامها لحق الصحة والتعليم والعمل والثقافة والرياضة والبيئة وتعهدها بحماية المراة وحماية حقوقها المكتسبة والعمل على دعمها ولئن تهمنا المراة عموما ولكن نهتم بالمراة الام اكثر في هذا الاطار ويبلغ الارتباط اكثر بالف 47 الذي اكد على هذه الحصيلة وهذه المظاهر لحماية الطفل وحقوقه من خلال التنصيص عليها وتعدادها واحلال شراكة وتقاسم ادوار بين الابوين والدولة في حين الزم الف 48 الدولة لحماية الاطفال من ذوي الاعاقة.
الزام الادارة بتحقيق الضرورات بالف7 من الدستور حيث تفقد النصوص القانونية كل معنى لها لو لم تجد طريقها للنفاذ والتفعيل وهو ما يعني ان على الادارة ترجمة النص الى مؤسسات وهياكل وبرامج تشمل كل المتداخلين في قطاع الطفولة من اطار تربوي ودعم مالي ومادي وبرامج فنية وعلمية وبيداغوجية تضيق الهوة بين الامثل والممكن في بناء طفل اليوم ورجل الغد من خلال سياسة قادرة على الربط والتكامل بين مرافق الدولة في مختلف المواقع والقطاعات. وهو ما يستدعي تطوير النصوص الترتيبية المنظمة لهياكل ومؤسسات الدولة والمؤسسات الخاصة وهو ما بدا فعلا اذ صدر الامر المنظم للمندوبيات الجهوية للطفولة وظبط مشمولاتها وتنظيمها الاداري والمالي امر عدد 4063 لسنة 2013 مؤرخ في 16 سبتمبر 2013 والامر المنظم للوزارة بنفس التاريخ تحت عدد 4064 وفي مستوى التكوين ودعم الموارد البشرية صدر الامر المنظم لخطة مساعد بيداغوجي عدد 4065 بتاريخ 16 سبتمبر 2013
وفي العموم يتطلب تطويرا للبنية القانونية والهيكلية لمؤسسات الطفولة وهو ما يدفعنا الى دراسة البنية الهيكلية للقطاع الطفولة سواء في المستوى المركزي او الجهوي وعلاقتهما بالمؤسسات العمومية الخاصة بالطفولة.
حصة يوم 08-04-2014
التنظيم الهيكلي لقطاع الطفولة في تونس
عرف قطاع الطفولة في تونس تنظيما هيكليا اتسم بالتذبذب والغموض في العديد من مراحل تطوره وذلك سواء على المستوى المركزي او الجهوي والمحلي متاثرا بذلك بسياسة الدولة او السلطة الحاكمة في هذا القطاع فتراوح هذا المرفق العام من حيث التنظيم والاشراف عليه بين كتابات الدولة ووزارات مختلفة فتارة ارتبط بالشباب والرياضة والتصق تارة اخرى بوزارة المراة وهو ما يفهم منه عدم ارتقاء التنظيم الهيكلي الى مستوى الحماية القانونية التي يحتمي بها الطفل
      I.            التنظيم في المستوى المركزي
1.   الوزارة كهيكل اشراف:
تعتبر الوزارة كامتداد للدولة الهيكل الموكول له الاشراف على هذا القطاع والمؤتمن على حقوق الطفل والمكلف بمقتضى النص بانفاذ سياسة الحكومة وفق منطوق الامر المنظم لمشمولات وزارة المراة عدد 2020 لسنة 2003 المتعلق بضبط مشمولات وزارة شؤون المراة والاسرة والطفولة والذي اعطى الى هذه الوزارة صلاحيات الاشراف على قطاع الطفولة بينما نظم الامر عدد 1961 لسنة 2005 هذه الوزارة كيفما وقع تنقيحه سنة 2013 بمقتضى الامر عدد 4064 وفسر هياكلها واداراتها المركزية فكانت : الديوان فالتفقدية العامة فالادارة العامة للمصالح المشتركة والمصالح الخصوصية التي تنقسم الى الادارة العامة لشؤون المراة والاسرة والادارة العامة للطفولة وادارة المسنين وادارة الاتصال والتثقيف الاجتماعي وادارة الشؤون القانونية والنزاعات (الفصل 33)
2.   المجلس الاعلى للطفولة كهيكل استشاري
أحدث المجلس الاعلى للشباب والطفولة والرياضة والتربية والترفيه وضبطت مشمولاته ووظيفته وطرق تسييره بمقتضى الامر عدد 2061 لسنة 2008 في 2 جوان 2008 وهو مجلس استشاري تتمثل مهامه في متابعة أوضاع الطفولة واقتراح ما من شانه تطويرها ودراسة الخطط الوطنية للنهوض بهاو ابداء الراي في كل مسالة تتعلق بهذا القطاع والتنسيق بين وزارة الطفولة وبقية الوزارات المتداخلة في القطاع.
ولهذه الاسباب وحتى يتسنى له لعب دوره والقيام بمهامه شملت تركيبته كل الوزارات وممثلو الهياكل الدستورية وبعض المؤسسات العمومية التي تعنى بالطفولة وذات العلاقة بها كما شملت التركيبة بعض المنظمات الوطنية والجمعيات العاملة في القطاع في منطق تشاركي بين اجهزة الدولة ومنظمات المجتمع المدني وللتوضيح فقد جمع هذا المجلس 4 مجالس اخرى وهي الشباب والرياضة والترفيه والطفولة وكان يراس هذه المجالس الاربعة كل وزير مشرف على قطاع وعند تجميعها اسندت الرئاسة للوزير الاول واعتبر وزيرا الشباب والرياضة والمراة مقررا هذا المجلس مكلفان بمتابعة توصياته من اجل متابعة تنفيذه مع مختلف الهياكل والاطراف المتداخلة
3.   المؤسسات العمومية كهياكل تنفيذ
ويقصد بالمؤسسات العمومية للطفولة في هذا المجال المؤسسات العمومية ذات الصبغة الادارية باعتبارها تنظيما لا مركزي مرفقي تتمتع باختصاص وطني وجهوي في مجالها مثل المركز الوطني للاعلامية الموجهة للطفل ولكن كذلك نقصد بها المندوبيات الجهوية لشؤون المراة ولااسرة خاصة بعد صدور الامر 4063 لسنة 2013 لما اعتبر في فصله الاول المندوبية الجهوية لشؤون المراة والاسرة المحدثة بكل ولاية مؤسسة عمومية ذات صبغة ادارية تتمتع بالشخصية القانونية والاستقلال المالي وقطع بذلك مع التنظيم الاقليمي لهياكل الطفولة عندما الغى الامر عدد 1631 لسنة 2004 المتعلق باحداث وتنظيم الادارات الاقليمية لشؤون المراة والاسرة والطفولة وقد أحال الفصل الثالث من هذا الامر جل اختصاصات ومهام الوزارة للمندوب الجهوي في حدوده الترابية وخوله تمثيل الوزارة وافادة سياسة الدولة في المستوى الجهوي والاشراف المالي والبيداغوجي والاداري على المؤسسات ومكنه كذلك التنسيق مع الجمعيات وهياكل المجتمع المدني وجعل منه حلقة الربط والوصل بين الدولة باعتبارها تمثل القطاع العام والخواص من أجل ايجاد الحلول للقطاع في المستوى الجهوي والمحلي وفي ذلك التزام بمبادئ والقواعد اللامركزية المرفقية والترابية
   II.            المؤسسات الخاصة كهياكل للطفولة
ونقصد بها تلك المرافق المحدثة والمسيرة من طرف الخواص (اشخاص طبيعيين ومعنويين ) والعاملة في قطاع الطفولة كرياض ونوادي الاطفال والمحاضن ومراكز الاعلامية الخاصة والتي تبقى مرافق ذات دور تربوي وتعليمي لها بالغ التاثير على الطفل وتبقى ملزمة بلعب هذا الدور رغم الغاية والهدف الربحي من انشائها. اذ تبقى خلفية احداثها هي بناء الطفل رغم ان تعامل الادارة معها من حيث الاحداث والمراقبة كان في منطلقه خاطئا اذ بوبت في خانة الاستثمار فشهد اخلالات عديدة لم تستطع كراسات الشروط المنظمة لها تجاوزها وتفاديها مما يدفع الى ضرورة تنقيحها واعادة النظر في هذه التقنية التي حلت محل الترخيص المسبق خاصة مع تنامي ظاهرة دخول الغرباء عن القطاع من خلال احداث مؤسسات هجينة خارجة عن السيطرة والرقابة الادارية والبيداغوجية محولة نفق تربية الطفل وتنشئته الى مصدر للكسب والربح الذي تنعدم فيه كل مبادئ المقومات وقواعد التربية واساليبها بل كذلك الى مؤسسات لتدمير البنى العقلية والتربوية للطفل وضرب المنظومة التربوية والقانونية لهذا القطاع في اطار منظومة فكرية انبنت على خلفية سياسية ودينية تحمل مشروعا مجتمعيا مستوردا من كهوف طورا بورا ومن كتاتيب المدرسة الوهابية تاسيسا لطفل منغلق منبت عن واقعه الوطني والدولي والحضاري والانساني معبئا بكل الاءات الرافضة للاخر في فكر دغمائي لن يجعل منهم في الامد القصير او البعيد الا الغاما موقوتة يحرق انفجارها المدرسة التونسية قبل غيرها ولعل هذا التشخيص لواقع الطفولة التونسية يدعونا الى التفكير الجدي والسريع في اعادة النظر في منظومتنا التربوية بدءا من اجل اصلاح مؤسسات التكوين والبحث والاعلام وعقلنة البرمجة من اجل تكثيف وتكوين افضل للمربي والمنشط ثم المتفقد والاداري المسير والمشرف على هذا القطاع اذ لم يعد من المستصاغ ان تقل نسبة تغطية المتفقد عن 15000 طفل.
وفي هذا الاطار يمكن ان نحوصل اهم ما يعاب على هذه المؤسسات الخاصة في:
الخطأ في المنطلق عند تبويبها في خانة الاستثمار
·       ضعف الى حد الغياب للرقابة التربوية والبيداغوجية على هذه المؤسسات
·       ضعف نسبة التاطير في مستوى الاطارات البيداغوجية (منشطين ومتفقدين)
·       ضعف الرقابة الصحية والتنسيق بين الهياكل والادارات المتداخلة خاصة في مستوى البرمجة
·       نقائص وفراغات الاطار التشريعي خاصة من حيث الاحداث وعقوبة المخالفة في الاحداث وتنفيذها والتداخل بين دور مؤسسات وهياكل وزارة المراة وسلطات الضبط الاداري (بلدية وولاية)
·       غياب او عدم الالتزام من طرف هذه المؤسسسات بالبرامج البيداغوجية الرسمية لغياب الاطار القادر على تطبيقها ولغياب الرقابة البيداغوجية لجبرهم على اعتمادها ولعدم رغبة هذه المؤسسات في تطبيقها باعتبار لديهم برامج اخرى

الخميس، 3 أبريل 2014

خلفيات و صور للإستعمال








نص مسرحية النملة




النملة

كان يا ما كان في قديم الزمان، كانت هنالك النملة تخرج إلى السوق كلّ يوم، فتجمع فتات الخبز وما تساقط من حبوب، وما تيسّر من بقايا الفاكهة، وتحملها على ظهرها إلى بيتها، لتخزن مؤونة الشتاء. 
وكانت تنام مبكّرة من التعب والإعياء، لتفيق في الصباح متحمّسة للعمل وتحصيل رزقها.

إلى أن اتخذ الصرصار مسكنه جوارها، فحرمها لذّة النوم، والراحة بعد التعب. فقد كان يلذّ لهذا الجار أن يقيم كلّ ليلة حفلة موسيقية يدعو لها كلّ أصحابه.. تحمّلت النملة طباع جارها السيّئة بعض الوقت. غير أنها لم تعد تقوى على قلّة النوم في الليل ومشقة العمل في النهار. فنقص مردودها، وفترت همّتها، وأصابها الإعياء، ولم تتمكّن من تحصيل مؤونة الشتاء.

فكّرت النملة طويلا قبل أن تطرق ذات يوم باب جارها. ففتح لها الباب صرصار وسيم مفتول العضلات، وهو يتثاءب، فقد كان منهكا بعد ليلة صاخبة قضاها يرقص ويغني.

قالت النملة:
- صباح الخير يا جاري العزيز..
فأجابها الصرصار:
- صباح الخير.. ماذا تريدين؟
فقالت النملة:
- جئت أطمئن على صحتك وأسألك إن كنت قد فكّرت في جمع مؤونة الشتاء؟
فقال الصرصار مستغربا:
- ولماذا أفكّر في جمع مؤونة الشتاء ما دمت يا جارتي العزيزة قد فعلت ذلك
فسألته النملة:
- ماذا تقصد؟
فأجابها الصرصار:
- ألست تجمعين ما يكفيك ويكفيني من المؤونة لنأكله طيلة الشتاء؟
فقالت النملة متلعثمة:
- أجل، أجل... كنت بالفعل أودّ ذلك، لكنني وجدت في الآونة الأخيرة صعوبة في النوم، وعندما أستيقظ صباحا أحس بتعب ووجع في رأسي يمنعني من التركيز في العمل..
فقال الصرصار:
- ولماذا يا جارتي، ماذا حلّ بك؟
فأجابته النملة:
- لقد التوى كاحلي، ولم يعد بمقدوري العمل لبعض الوقت..
فقال الصرصار:
- مسكينة يا جارتي، ماذا ستفعلين والشتاء على الأبواب؟
فقالت النملة:
- لهذا السبب جئت إليك أطلب المعونة
فاستغرب الصرصار:
- وكيف لي أن أساعدك؟
فقالت النملة:
- فكّرت أنه بمقدورك أن تقرضني من وقتك ساعة كلّ يوم، لتحمل معي بعض المؤونة، وسأجازيك عنها ضعف نصيبي من المحصول...
فقال الصرصار:
- ولكنني غير معتاد على العمل، ولا أعرف كيف أحمل حبة قمح واحدة
فأجابته النملة بحماس:
- لا تخشى شيئا.. سأعلمك كيف تجمع فتات الخبز وحبوب القمح...

فكّر الصرصار قليلا، ثم وافق على فكرة النملة، خاصة وأنه سيجني منها الكثير. واتجه مع النملة إلى السوق، وكانت تلك أوّل مرّة يذهب فيها إلى ذلك المكان نهارا. فرأى الناس النشطين يغدون ويروحون في كلّ اتجاه وسمع أصواتا متداخلة وضجيجا كثيرا، فقال للنملة بأنه لم يعتد على سماع مثل هذه الضجة، لأنه حين يغني في الليل يكون السكون قد عمّ أرجاء المكان..

وفي تلك الزيارة الأولى للسوق التقت النملة بالعديد من الأصدقاء، فعرّفتهم على جارها الصرصار، وقدّمته إليهم على أنه مساعدها الجديد. وتبع الصرصار النملة في كلّ مكان توجّهت إليه، ورغم أنه وجد مشقة في البداية في حمل حبة القمح على ظهره، فقد تمكّن من حملها والحفاظ على توازنه والذهاب بها إلى مخزن جارته النملة، والعودة سريعا إلى السوق لحمل قطعة من الخبز أو بعض الفاكهة.

وهكذا قضى الصرصار أول يوم في العمل.. وعند المساء، لم يستطع أن يقيم حفلته كالعادة، وسرعان ما استغرق في النوم، وكذلك فعلت جارته النملة التي استمتعت بسكون الليل وغطت في نوم عميق.

وفي صباح اليوم التالي، استيقظت النملة مسرورة متحمّسة للعمل، واستيقظ الصرصار متعبا، متورّم الأقدام، موجوع الظهر، لكن ما كان يزعجه أكثر هو عدم تمكّنه من تنظيم حفلته المعتادة. وعندما جاءت النملة لتصطحبه معها إلى السوق، أخبرها بأنه لا يستطيع الوقوف على أقدامه من كثرة التعب.

فهوّنت عليه النملة، وأخبرته أن ذلك طبيعي، وقالت له أن يفكّر في أيام الشتاء القادمة التي سينعم خلالها بالدفء والطعام الوفير.. ولما أبدى شكّه في إمكانية المواصلة، أخبرته له بأنها ستمكّنه من يوم راحة أسبوعية يقيم خلالها حفلته، ووعدته بالمشاركة ودعوة أصحابها أيضا، وأكّدت له بأنه يمكنه قضاء الشتاء كلّه في العزف والغناء. أعجب الصرصار باقتراح النملة، واقتنع بحججها وكلامها، ورافقها إلى السوق. وتمكّنا يومها من جمع الكثير من المؤونة، وواصلا العمل طيلة أشهر، حتى أن مخزن النملة لم يعد يتسع لكلّ القمح وفتات الخبز الذي جمعاه.

فكّر الشريكان في حلّ، واتفقا على الاستمرار في هذا النسق، ومواصلة تجميع المؤونة، ووضعها في بيت الصرصار.. وهكذا انقضى فصل الصيف، وحلّ فصل الخريف. فنوّع الصرصار والنملة من المؤونة التي يجمعانها، فجمعا حبات العنب، والرمان، والزبيب، حتى أنهما تمكّنا من جمع بعض الزيتون، والسفرجل، والتمر.

ومرّ الخريف، بلمح البصر. وأصبح الصرصار بارعا في اقتناص أجود أنواع الحبوب والفواكه. وانضمّت النملة إلى الفرقة الموسيقية التي يرأسها الصرصار، بعد أن قضت ليالي الخريف في التدرّب على الرقص والعزف على العود. وأصبح بيت الصرصار، كلّ نهاية أسبوع، قبلة لكلّ أنواع الحشرات التي تحبّ الحفلات الراقصة.

حلّ الشتاء بأيامه الباردة. وكانت النملة في زيارة لجارها الصرصار، نظرت من النافذة، فتذكّرت سهرات المواسم المنقضية، واستغرقت في ذكرياتها لأسعد صيف وخريف قضتهما في حياتها... عندها اقترب الصرصار منها، قدّم لها كأس عصير، وسألها:
- هل تحنين مثلي لتلك الأيام؟
فأجابته النملة متنهدّة:
- لقد كانت أياما جميلة..
تنهّد الصرصار وقال:
- أجل، كانت أجمل أيام حياتي...
صمتت النملة قليلا ثمّ قالت له بعد أن ارتشفت بعضا من العصير:
- يبدو أن الشتاء سيكون طويلا هذه السنة..
هزّ الصرصار رأسه موافقا، ارتشف بعض العصير، ووقف ينظر من خلال النافذة، وقال بعد صمت قصير:
- لقد اشتقت للأصدقاء، وكل تلك الأوقات المرحة التي قضيناها معهم..
صمت الصرصار والنملة بعض الوقت، وغرق كلّ منهما في أفكاره، إلى أن قطعت النملة الصمت قائلة:
- وجدتها... أجل وجدتها..
التفت الصرصار نحوها متسائلا:
- ماذا وجدت؟
وضعت النملة كأس العصير على الحافة النافذة، نظرت إليه، وقالت:
- أعتقد أنه بإمكاننا استعادة ذلك الزمن الجميل...
نظر إليها الصرصار مبتهجا ، وقال لها:
- هل تقصدين؟..
فأجابته النملة بسعادة:
- أجل، ما المانع؟ يمكننا فعل ذلك..

لم يمض على تلك الأمسية بضعة أسابيع، حتى شرع الصرصار والنملة في تنفيذ فكرتهما، فقاما ببيع نسبة مما جمعاه من مؤونتهما ليحصلا على التمويل الضروري، وشرعا في تنفيذ أشغال بناء جمعا بفضلها منزليهما معا، بعد أن أزاحا الجدار الفاصل بينهما، فأصبح لديهما غرفة استقبال كبيرة جدةّ تتسّع لعشرات المدعوّين، وجهّزا فضاء لبيع العصير والمرطبات، وأعدّا مطبخا احتوى على أفضل المعدّات لصنع العصير الغلال ومنتجات الحبوب التي جمعاها طيلة الصيف. واقتنيا أثاثا جديدا، وأدوات موسيقية جعلت من منزلهما قبلة السمّار في ليالي الشتاء الطويلة، في انتظار موسم العمل القادم، مع حلول فصل الصيف.